الثوب الرّابع ـ نظّارة الحزن
كولوسي 3: 12 "فالبسوا كمُختاري الله القدّيسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة". |
|
هناك فرق كبير بين الحزن والقلق، وهذا الفرق يعتمد بالدّرجة الأولى على النّظّارة التي تستخدمها. كثيراً ما تنعكس همومنا واهتماماتنا على المشاريع والقضايا، لكن ما إن ننظر من خلال عدسات المسيح أبي الرّأفة وإله كلّ تعزية (2 كورنثوس 1: 3)، حتّى تتحوّل همومنا إلى أحزان. فالحزن هو تعبير عن آلام داخليّة عميقة. هناك فرق، عندما تنظر إلى شخص ما في عينيه وينكسر قلبك كالرّبّ يسوع حين وقف عند قبر "لعازر" وبكى، بكلّ بساطة (يوحنّا 11: 35) هذا هو الحزن. ستواجه خلال رحلة الإيمان احتياجات وانكسارات عديدة. نوع النّظّارات التي ترتديها سيحدِّد ردّ فعلك في النّهاية. عادةً لا ينتابنا الحزن أمام المشاكل. إنّه تحدّي تواجهه الإرساليّات اليوم. نسمع كثيراً عن الكنيسة المضطهدة وينتابنا القلق إزاء حقوق الإنسان، هذا ليس حزناً. أو نسمع عن مسلمين يموتون بدون المسيح فنهتمّ بالكرازة للمسلمين، هذا دافع خطأ. عندما يريد الرّبّ أن يحقّق شيئاً مهمّاً سيجد رَجُلاً (أو امرأة) ويغمره بالحزن، مثلما فعل مع "نحميا". الحزن هو ألم معنوي شديد. ألم لأجل الهالكين، ألم لأجل الفقراء، ألم لأجل المضطهدين والمقهورين. أوّل شيء فعله "نحميا" حين قابل "حنَاني" كان أن وجّه له سؤالاً غيّر حياته بعد ذلك: (نحميا 1: 1 ـ 4) "فسألتهم عن اليهود الذين نجوا الذين بقوا من السّبي وعن أورشليم". وبمجرّد أن سمع "نحميا" الأخبار بأنّ الباقين منهم يعيشون في السّبي وفي شرّ عظيم وعار جلس وبكى أيّاماً. لم يكن الاهتمام وحده هو الذي دفع خادم الله هذا لإعادة بناء أسوار أورشليم، بل الحزن. لم تكن القضيّة نفسها هي التي حرّكت قلبه بل الشّعب، واستجاب. في أفسس 4: 32 يحرِّض "بولس" المؤمنين على أن يكونوا لطفاء وشفوقين ومتسامحين بعضهم نحو بعض. "جون بيبر" يُعرِّف الشّفقة على الموقع التّالي: http://www.desiringgod.org/resource-library/sermons/be-kind-to-one-another المقصود هنا هو أنّ اللّطف المسيحي ليس مجرّد تغيير خارجي يحدث في الآداب والأخلاق، بل هو تغيير داخليّ في القلب. يقول في العدد 32: "وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين ...". اللّطف المسيحي هو الطِّيبة. لو كان قلبك مُتَقَسٍّ من الدّاخل وأخلاقك تتّسم بالوداعة والزّوق من الخارج فهذا ليس لُطفاً مسيحيّاً. المقصود من "اللّطف" هو أنّ أحشاءنا تتأثّر سريعاً. لو بشرتك رقيقة فلن يستغرق الأمر سوى لمسة لتشعرك بالألم، وحين يكون قلبك رقيقاً فإنّه سيتأثّر ويشعر بأيّ شيء بسرعة وبسهولة. عندما تتوقّف وتفكّر في الأمر فستجد أنّ هذا ما أوصانا به الرّسول بولس. لا يمكنك أن تقرّر بأن تكون لطيفاً فتصبح كذلك في اليوم التّالي. إنّها صفة ثابتة وراسخة. والآن فكّر في الرّبّ يسوع ... جُرِحَ بكلّ طريقة ممكن أن يُجرَح بها إنسان!. الجروح تتحوّل إلى انكسار والانكسار إلى لطف، وبالتّالي سيصبح الحزن هو الفائض التّلقائي في النّهاية. القلوب الرّقيقة والمجروحة ليس لها مكان في رحلة الإيمان. إيّاك أن تبدأ هذه الرّحلة بدون ارتداء النّظّارات الصّحيحة. |
|
روى الكاتب والمحاضر "ليو بوسكاجليا" موقفاً حدث له اضطر أن يكون فيه حَكَماً في مسابقة تتطلّب البحث عن أكثر طفل أظهر عطفاً تجاه الآخرين. كان الرّابح ولداً يبلغ من العمر أربع سنوات. جاره، رَجُلٌ مسنٌّ فَقَد زوجته بعد صراع طويل مع المرض. ذات يوم رأى الولد جارهم يبكي فقفز من السّور وجرى إليه وجلس على حِجره. عندما عاد إلى منزله في المساء سألته أُمّه ماذا فعل ليُعزّي جارهم. أجاب: "لا شيء ... جلست في حضنه وساعدته على البكاء" |
|
"من اللائق أن تطلب أن تحزن مع المسيح وتبكي بسبب آلام المسيح العظيمة التي احتملها لأجلك" القديس إغناطيوس |
|
يا رب، يفيض قلبي بالشّكر ويغمره الحزن حين أرفع صليبك أمام عيني وأفكّر في أحزانك وآلامك. ساعدني كي أتبع خطواتك، لا كسيّدي ومخلّصي فقط، بل أيضاً كأبي الرّأفة في حُبّ النّاس لدرجة الموت. |