search
burger-bars
Share

"السلام عليكم" هذه التحية قد نستخدمها يوميًا لكن قد لا ندرك معناها أو في كثير من الأحيان تكون هذه التحية أبعد ما يكون عن حالتنا الداخلية. فالسلام ليس مجرد كلمات نُطلقها، بل هو حالة عميقة تنبع من أعماق النفس. إن الله هو السلام، مما يعني أن قائل التحية يتمنى للآخرين حياة مليئة بالطمأنينة التي تأتي من الله، لكن مع إدراكنا أن الله هو مصدر السلام، فإننا كثيرًا ما نفقد سلامنا الداخلي! فلماذا؟

ما هو السلام الداخلي؟

علينا تعريف السلام قبل أن نُعرف مفهوم السلام الداخلي، فالسلام هو حالة من الهدوء والاستقرار، تخلو من النزاعات والعنف، وقد يعني إزالة العداوة أو المصالحة فيما يخص العلاقات. أما السلام الداخلي فهو الشعور العميق بالطمأنينة والرضا النفسي، بغض النظر عن الظروف الخارجية. 

إذا نظرنا من حولنا، سنجد أن الواقع أبعد ما يكون عن تلك التعريفات! فأين الهدوء والاستقرار؟! وأين العلاقات الهادئة؟! أين هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بسلام داخلي رغم كل هذه الظروف الطاحنة؟! كم من اتفاقية سلام أُبرمت على مر العصور ولكن ظل التاريخ البشري مليء بالنزاعات؟! عندما نتأمل المشهد العالمي اليوم، نجد أن الشيء الأكثر غيابًا بشكل ملحوظ هو السلام! فلماذا السلام مفقود؟ ولماذا يسود الاضطراب قلوبنا ولا نشعر بالسلام الداخلي؟

كيف فُقد السلام الداخلي؟

إذا كان الله هو السلام، كما تحدثنا سابقًا، فهو إذن مصدره. وإذا نشأت عداوة بيننا وبينه، فقدنا سلامنا الداخلي. وهذا ما حدث في جنة عدن منذ آلاف السنين، حيث كان أبوانا، آدم وحواء، يعيشان في حالة من الانسجام مع الله والخليقة، ويتمتعان بسلام داخلي. وكانت هذه هي الحالة التي خُلق عليها الإنسان، وهي حالة السلام الدائم مع الله، ومع العلاقات، ومع الخليقة. لكن هذا السلام الداخلي فُقد عندما اختار أبوانا عصيان الله، وسقطا في المعصية، مما أدى إلى حدوث عداوة بين الله والإنسان، فضاع السلام الداخلي الذي كان يملأ قلبيهما. ومنذ تلك اللحظة، تغير وجه الأرض، وبدأت صراعات لا تنتهي، وامتلأ العالم بالحروب والنزاعات، وأصبحت الخليقة كلها تئن تحت وطأة فقدان السلام الذي كان يومًا حالتها الأصلية.

لكن هل من رجاء! هل يوجد من يمسك بأيدينا ويصالحنا مع الله، فنرجع لحالة السلام الداخلي مرة أخرى؟

يقول أحد الكُتاب: "السلام هو حضور الحب" وهذا ما حدث في لحظة ما في الزمن حضر الحب بيننا، حضر مصدر السلام بنفسه لكي يصالحنا مع الله ويُرجعنا لحالتنا الأصلية: حالة الانسجام والسلام الداخلي. حضر السيد المسيح ليحمل عنا معاصينا ويخلصنا ويقربنا مرة أخرى لله. بفضله زالت العداوة بيننا وبين الله وصار لنا سلام مع الله الذي هو أساس كل سلام آخر، وهذا ما يؤكده الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية حين قال: "فبما أننا قد تبررنا على أساس الإيمان، صرنا في سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (الرسالة إلى أهل رومية 5: 1).

 

في القصة المسيحية، الله هو الذي اتخذ الخطوة الأولى تجاهنا لمصالحتنا، وهذا عكس الفكر السائد، أن من أخطأ يجب أن يبادر أولًا بالمصالحة، ولكن الله في محبته، هو من بادر ليصنع السلام! فنحن لم نكن نستحق سوى العقاب والطرد من الحضرة الإلهية والحرمان من السلام الداخلي! لكن محبته القوية لنا جعلته يأتي في شخص السيد المسيح ليحل قضية المعصية التي كانت تفصل بيننا وبين الله، فصار لنا سلام مع الله. وبوجود السلام مع الله يمكننا التمتع بسلام داخلي بالرغم من صعوبة الظروف.

كيف نحصل على السلام الداخلي؟

 سلامك الداخلي يبدأ حين تضع ثقتك الكاملة في السيد المسيح وتؤمن بموتـه وقيامته من أجلك. لقد دفع الثمن ليمنحك علاقة حقيقية مع الله ويكون لك سلام مع الله، فيبقى عليك أن تقبله مخلّصًا لحياتك. عندها، تُمحى خطاياك، ويتلاشى ثقل الذنب، فتختبر الحرية الحقيقية التي تقودك إلى سلام لا يتزعزع! يخبرنا الإنجيل المقدس بهذه الحقيقة المدهشة: "ففي المسيح يسوع، أنتم الذين كنتم من قبل بعيدين قد صرتم قريبين بدم المسيح فإنه هو سلامنا" (الرسالة إلى أهل أفسس 2: 13-14). 

عند إيمانك بالسيد المسيح، هناك أربع حقائق تمنح قلبك سلامًا داخليًا:

1- الله يحبك

هذه الحقيقة الأجمل على الإطلاق! أنك محبوبًا من قبل خالقك الذي أحبك حتى الموت! وهذه الحقيقة قادرة أن تملأ قلبك بالسلام الداخلي، فليس هناك شيئًا قادرًا على نزع تلك المحبة، فالإنجيل المقدس يقول: "فإني لعلى يقين بأنه لا الموت ولا الحياة، ولا الملائكة ولا الرياسات، ولا الأمور الحاضرة ولا الآتية، ولا القوات، ولا الأعالي ولا الأعماق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي لنا في المسيح يسوع ربنا" (الرسالة إلى أهل رومية 8: 38-39). 

إذن، فلتهُب العواصف كما تشاء، ولتَصعب الظروف أكثر، ولتزداد الأمور تعقيدًا، فلن تقدر كل هذه الأشياء أن تفصلك عن المحبة التي لك في السيد المسيح. محبته ثابتة، وصادقة، وقوية بما يكفي لتحملك حين تعجز عن الوقوف. مهما حدث، أنت لست وحدك، فإلهك يحبك حبًا لا ينهار، حبًا أبقى من أي شيء آخر في هذا العالم! وهذه حقيقة قادرة على أن تملأ قلبك بسلام داخلي لا يُنتزع!  تذكَّر دائمًا: الله يحبك بعمق!

2- الله يعتني بك

ليس هناك قلب يعتني بك بقدر الله، وهذه حقيقة قوية قادرة على بث سلام داخلي في قلبك. سيد هذا الكون الفسيح هو بنفسه من يهتم بأصغر تفاصيل حياتك، هو يعتني بأكثر لحظاتك المفرحة، وأكثرهم انكسارًا، يعتني بحزنك وألمك ونجاحك وازدهارك، يعتني بكل ما قد يشغل قلبك! 

يقول السيد المسيح في الموعظة الأشهر له: الموعظة على الجبل هذا الكلام المطمئن: "لذلك أقول لكم: لا تهتموا لمعيشتكم بشأن ما تأكلون وما تشربون، ولا لأجسادكم بشأن ما تكتسون. أليست الحياة أكثر من مجرد طعام، والجسد أكثر من مجرد كساء؟ تأملوا طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، وأبوكم السماوي يعولها. أفلستم أنتم أفضل منها كثيرا؟ فمن منكم إذا حمل الهموم يقدر أن يطيل عمره ولو ساعة واحدة؟" (إنجيل متى 6: 25-27). 

السيد المسيح يخبرك أن لا داعي للقلق، وليس عليك أن تدير حياتك بنفسك، فماذا بعد حمل الهموم؟ لن تقدر أن تغير الأوضاع بنفسك، لكن يمكنك أن تتكل على من يعول طيور السماء دون أن تسأل، يمكنك أن تثق في أبيك السماوي الذي يحبك بعمق ويعتني بك بغنى وحينئذ سيغمرك سلام داخلي عميق. تذكر دائمًا: الله يعتني بك!

3- الله يعدك بسلامه

وعد السيد المسيح أتباعه بنوع سلام لا يمكن أن يُنزع، سلام لا تقهره الظروف ولا تنزعه متغيرات الحياة. قال ذات مرة رجل مليونير إنه مستعد أن يدفع من ثروته مليون دولار لمن يعطيه سلام لمدة أسبوع! السيد المسيح لا يعد بسلام لمدة أسبوع فقط بل سلام يدوم طول العمر! حيث قال: "سلاما أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. فلا تضطرب قلوبكم، ولا ترتعب" (إنجيل يوحنا 14: 27).

وضع هذا الرجل المليونير سلامه في المال الذي يمكن أن يفقده في أي لحظة فينهار سلامه! وأنت أيضًا قد يكون سلامك مبني على مالك، أو عملك، أو ظروف مريحة خالية من الصراعات، هذا هو السلام الذي يعطيه العالم، سلام مرتبط بأمور خارجية قد تفقدها فيضيع سلامك الداخلي! لكن السيد المسيح يقدم نوع سلام لا يتوقف على الظروف الخارجية، سلام أساسه وجود الله معنا في كل حين، فحضور الله هو ما يجعل الأوضاع محتملة، وليس غياب الصراع. تذكر دائمًا: الله يعدك بسلامٍ يفوق كل عقل!

4- الله متسيد

تخيل أنك في وسط بحر هائج، الأمواج تضرب سفينتك من كل جهة والرياح تعصف بقوة، لكنك داخل سفينة يقودها رُبان ماهر يعرف كل مسار وكل موجة، عند إدراكك لذلك سيختفي كل خوف وسيتلاشى كل قلق من قلبك لأنك تعرف كم هو ماهر وتثق أنه لن يدعك تغرق! هكذا هو الله في حياتنا التي كثيرًا ما تكون كالبحر الهائج، تضربنا الظروف من كل جهة، لكن يظل الله القائد الماهر المتسيد على كل شيء، لا يفوته حدث ولا يعجزه ظرف. كل شيء تحت سيادته المطلقة سواء فهمناه أو لم نفهمه.

عندما تدرك أن الله ضابط الكل، وأن كل تفصيلة في حياتك إنما يتحكم فيها إله حكيم ومحب، تجد السلام الداخلي الذي لا يمكن أن يُنتزع منك. فلا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يحدث خارج عن إرادة الله، الألم، والنجاح، والتأخير، والفرص الضائعة، والصراعات كلها جزء من خطة أعظم. قد لا ترى الصورة الكاملة الآن لكن حينما تثق أنك في يد إله محب وقوي يمسك بزمام الأمور، تهدأ روحك وتتحرر من القلق.

كان يعرف السيد المسيح كم سيقاسي تابعيه الضيقات والظروف الصعبة لكنه قدم وعدًا من إله متسيد ومنتصر يعرف جيدًا ما سيحدث لكنه يضمن لهم سلامه القادر على نزع كل قلق من قلوبهم: "أخبرتكم بهذا كله ليكون لكم في سلام. فإنكم في العالم ستقاسون الضيق. ولكن تشجعوا، فأنا قد انتصرت على العالم!" (إنجيل يوحنا 16: 33).

تذكر دائمًا: أن الله متسيد وأنك في يد إله لا يعرف الفشل أبدًا ولا يتفاجأ بالأحداث مثلك. 

في كل مرة يضرب القلق قلبك وتشعر بالاضطراب الشديد، تذكر تلك الكلمات من الإنجيل المقدس: "لا تقلقوا من جهة أي شيء، بل في كل أمر لتكن طلباتكم معروفة لدى الله، بالصلاة والدعاء، مع الشكر وسلام الله، الذي تعجز العقول عن إدراكه، يحرس قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (الرسالة إلى أهل فيلبي 4: 6-7).

 

يا إله السلام، أدعوك في حياتي

اغفر ذنبي لأحيا في سلام معك

أسلمك حياتي، أنا لا أقدر على قيادتها وحدي

يا من بيدك كل الأمور، يا من لا يعسر عليك أمر

اسألك أن تملأ قلبي بسلامك الذي يفوق كل عقل

في وسط العواصف، ذكرني أنك ضابط الكل

عند كثرة همومي في داخلي، ذكرني أنك معي

امنحني قلبًا واثقًا، لا تهزه الظروف

ونفسًا مطمئنة مدركة لحبك

أستودعك نفسي وهمي، مرتميًا في حضنك

واثقًا في قلبك الذي يحبني حبًا يفوق الخيال!

قد حياتي كما تشاء يا إلهي القدير

آمين

 

إذا أردت أن تعرف أكثر عن السيد المسيح وكيف يمكن أن يغمرك سلامه تواصل معنا (من هنا)

 

موضوعات أخرى مشابهة: 

السّلام الحقيقي: كيف أحصل عليه؟

المسيح جاء ليمنح السّلام أم ليُلقي سيفاً؟

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads