هل تختبىء وتمارس العادة السّريّة؟ لماذا؟ وإلى متى؟
مَن مِنّا لا يعرف نهر النّيل العظيم، أو على الأقلّ سمع به. النّيل مصدر الخير والبَرَكة لسُكّان أمّ الدُّنيا "مصر". لكن إذا عُدنا بالتّاريخ إلى العصور القديمة جدّاً سنجد أنّ النّيل كان بمثابة كارثة طبيعيّة للإنسان المصري، إذ أنّ فيضانه كان يغطّي قُرى بكاملها، ويصبح من المستحيل سلوك الطُّرق البريّة. فكيف تمكّن الإنسان من استخدام هذه العَقَبة المُدمِّرة في أغراض مفيدة؟. لقد استطاع الإنسان المصري تحويل هذه الظّاهرة الطّبيعيّة الضّارة إلى مصادر نَفْع، فقام ببناء سّدٍّ على النّهر ممّا حَدَّ بشكل كبير من فيضانه، ثمّ جعل التّحكّم فيه أسهل عن طريق فتحات في جسم السّدّ، كما وضَع أمام الفتحات مولِّدات للطّاقة الكهربائيّة، بالإضافة إلى استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الصّحراويّة وجعلها صالحة للزّراعة عن طريق فتح قنوات للرِّيّ. هذه المنافع وأُخرى غيرها (كالتّحكّم في الرّيح والنّار) كانت ثمار لظاهرة ضارّة، وكما يقول المثل: "الحاجة أُمّ الاختراع".
فهل ينطبق المبدأ نفسه على الإنسان ذاته؟ أي هل يستطيع الإنسان التّحكّم في سَطوة الجسد؟.
إنّ شهوات الجسد وغرائزه هي بمثابة حرب مشتعلة داخل الإنسان، تدفعه للحصول على اللّذة بمختلف الوسائل والأساليب مُحاوَلةً منه لإطفاء هذه النّار المُستعِرة. فهل ينجح يا تُرى؟. إنّ خَير دليل على ذلك العادة السّريّة المنتشرة بكَثرة عند الذُّكور كما عند الإناث.
فما هي العادة السّريّة وما هي مضارها وكيف نعالجها؟، ماهي أبعاد هذه العادة الشّبابيّة ودوافعها؟ هل ممارستها تساهم في تخفيف الضّغوط الجنسيّة؟ ما أوجُه الاختلاف بينها وبين العلاقة الزّوجيّة؟ لماذا سمح الله بوجود الغريزة الجنسيّة (المُتعِبة بنظر الشّباب) وهل يتكلّم الكتاب المقدّس عنها؟.
العادة السّريّة, ما هي؟ وما دوافعها؟:
العادة هي: سلوك ذاتي إنساني مُتكرِّر، أي ما يُدمِن الإنسان على فعله باستمرار، مثل التّدخين والكذب والقِمار والكحول والمخدّرات، كما المُمارَسات الجنسيّة في غير مكانها الصّحيح. وبالتّالي العادة السّريّة هي لَذّة فرديّة، علاقة غير طبيعيّة أو وهميّة تحدث بين الشّاب وامرأة يتخيّلها أو بين فتاة ورَجُل تتخيّله، ومن خلال استثارة الأعضاء الجنسيّة تحدث لَذّة انفراديّة. إنّ ممارسة هذه العادة وتكرارها لا يخفّف من حِدّة الضّغوط الجنسيّة بل سوف يؤدّي إلى استمرار هذه الضّغوط وتزايد حدّتها. وما يدفع إلى القيام بالعادة السّريّة مجموعة كبيرة من الأسباب لا سبيل لذكرها كلّها: مشاهد الأفلام أو الصُّوَر الخليعة، التّخيّل عند قراءة قصص وروايات هابطة، استخدام بعض الأدوية والعقاقير المثيرة للرّغبة الجنسيّة، أزمات نفسيّة (الرّسوب في الامتحان أو فشل في الحُبّ)، الإحساس بالوحدة أو عُقَد في الطّفولة، الإفراط الشّديد في الطّعام، التّوتُّر نتيجة تسارع عجلة الحياة.
العادة السّريّة وأضرارها:
ما سبق يقودنا للاستنتاج أنّ لهذه العادة مضارّاً على المستويَين الجسدي والنّفسي. فعلى المستوى الجسدي فإنّ كثرة ممارستها تُرهق الجهاز العصبي والتّناسلي عند الجنسَين، فتؤدّي إلى احتقان غدّة البروستات عند الذّكور أمّا عند الإناث فتسبّب التهابات في المجاري التّناسلية والبوليّة، مع احتمال كبير لفَقد العُذريّة إذا مورِست بطريقة خاطئة. كما أنّها لا تصل بالشّخص الذي يمارسها إلى إشباع جنسي حقيقي، حيث تبقى لذّتها في حدود التّصوُّرات والتّخيُّلات ممّا يخلق في ذات الشّخص مَيلاً للانطواء. وهذا يقودنا للجانب النّفسي حيث يشعر الفَرد بالذّنب، بعد شعوره ولثواني معدودة براحة نفسيّة بسبب خروج الطّاقة الجنسيّة منه، ممّا يؤدّي إلى مشاكل في التّوازن النّفسي للفَرد وضعف الثّقة بالنَّفْس (بسبب الضّغوط الدّينيّة والاجتماعيّة).
علاجها:
على كلّ من يعاني من هذه المشكلة أن يلجأ إلى الانفتاح على العالم الخارجي ويعمل على تكوين الصّداقات. أن يملأ فراغه بممارسة الرِّياضة وبالتّوجُّه نحو الطّبيعة والتّأمُّل في خليقة الله. إلّا أنّ العنصر الأساسي الذي يساهم في التّخلُّص من هذه الممارسة الخاطئة يكمُن في ضبط النّفس حيث يعرف الشّخص نفسه وسرعة تأثُّره فلا يسمح للرَّغبات والتّهيُّجات أن تكون في نفسه. لا للكَبت أي تخزين الرّغبات بحجّة التّحكُّم بها فتظلّ الرّغبة مشتعلة تنتظر اللّحظة المناسبة لتخرج، نعم للابتعاد عن مصادر الإثارة بالإرادة الجادّة والقويّة، وتحويل الاتّجاه إيجابياً نحو الجنس الآخَر حيث ينصَبُّ الاهتمام بالجوانب الإنسانيّة والشّخصيّة منه، ورفض تحويله إلى مجرّد جسد للاستمتاع، وأخيراً بالزّواج، ولكن كيف؟.
العادة السّريّة ورأي الكتاب المقدّس فيها وقَول الله عنها:
المُتعة الجنسيّة هي وسيلة أوجَدَها الله للتّقارُب بين الزّوجَين، فهي ليست خطأً عندما يحصل عليها الإنسان ضمن إطارها الطّبيعي الذي هو الزّواج، وعندما تتحوّل إلى هدف بحدِّ ذاتها تصبح خطأً وتنحرف عن قصد الله الحقيقي منها كما جاء في رسالة العبرانيّين 13: 4
. كان قصد الله من وجود الغريزة الجنسيّة عند الإنسان أن يَنتج عنها ارتباط واتّحاد بين الرَّجُل والمرأة، يشعران فيه معاً بلذّة مشتركة مُتجاوِزَين الفرديّة (اقرأ 1 تسالونيكي 4: 3 - 8
). الجنس شيءٌ هام، فبواسطته يساهم الرَّجُل والمرأة في تكوين حياة جديدة، من خلال طفل يولد يكون ثمرة لهذه العلاقة المقدّسة في الزّواج، كما جاء في سفر التكوين 1: 28
. فالأعضاء التّناسليّة هي من بين الأعضاء الأكثر قداسة التي خلقها الله، حيث أنّ طهارتها تُستمَدُّ من خلال هذه الوظيفة التي تقوم بها.
إنّ كلّ إنسان لا يملك المسيح على حياته هو عبدٌ للخطيّة مُقيَّدٌ بها، يقول الرّبّ يسوع في إنجيل يوحنّا 8: 34
. الخطيّة هي من طبيعة الإنسان السّاقِطة، وإبليس العدوّ الأكبر للإنسان لا يتوانى عن تقديم الشّهوات له على اختلاف أنواعها كالكذب والحقد والكراهية والنّميمة والكبرياء والشّهوة الجنسيّة مدار حديثنا. فأيّ إنسان مهما عَلا شأنه ثقافيّاً أو اجتماعيّاً لن يستطيع أن يتحرّر من الخطيّة بقوّته وباتّكاله على نفسه، بل بقوّة دم المسيح الذي سُفِك على الصّليب من أجل فداء العالَم 1 يوحنّا 2: 2
. ولكي يُعتَق الإنسان من عبوديّته عليه أن يعترف بوضعه الرّوحي والأخلاقي ثمّ يُسلِّم حياته للمسيح المُخلِّص ليملك عليه، عندها فقط ينتقل من الظُّلمة إلى النّور ومن الموت إلى الحياة ويستطيع مواجهة الخطيّة والهروب منها كما فعل يوسف عندما هرب من فعل الفحشاء (اقرأ تكوين 39
).
كما يوصينا بطرس الرّسول في 1 بطرس 2: 11
. وهكذا أيضاً يشجعنا الرسول بولس لنسلك في حياة التّقديس والتّدقيق في السّلوك، عندما أوصى تلميذه تيموثاوس في 2 تيموثاوس 2: 22
.
بالطّريقة نفسها التي يتصرّف فيها الإنسان للتّحكّم بالظّواهر الطّبيعيّة يستطيع أن يتحكّم في طاقته الجنسيّة المتفجِّرة داخله. فوجود هذه الطّاقة يعني أنّه توجد منها فائدة وعلى الإنسان أن يعرف كيف يستفيد من هذه الطّاقة. عليه أن يعرف كيف يوظِّف الغريزة الجنسيّة لأغراض مفيدة لا أن يستسلم ويخضع لها فتصبح بمثابة كارثة تدمِّر حياته ومَن حوله.
عندما تشعر بأنّ طاقتك الجنسيّة أصبحت كتيّارٍ جارفٍ لا تقدر الوقوف بوجهه، حاول أن تبني سدّاً له يضبطه وبعدها تستطيع أن تبتكر طرقاً لعمل بعض الفتحات في هذا السّدّ.
موضوعات مشابهة:
-
الشّهوة (من برنامج "أبطال الإيمان")؟