المجدُ لله في العُلى وعلى الأرضِ السّلام وبالنّاس المَسرّة
يحتفل العالَم المسيحيّ بذِكرى ميلاد الرّبّ يسوع المسيح كُلٌّ على طريقته، مُعبّرين بشكلٍ أو بآخر عن فَرَحهم
وسرورهم بهذا الحَدث العظيم الذي أنار المسكونة بالحُبِّ الإلهيّ، وحيث ابتدأ العَدُّ العكسيّ لإتمام خطّة الله الخلاصيّة لبَني البشر. في ذلك اليوم المجيد، أشرق النّور الحقيقيّ ليُبدِّد ظُلمة هذا العالَم ويمنح الرّجاء والسّلام لكُلِّ مَن يُقبِل إليه ويؤمن به. ليس كَمِثله ميلاد، لأنّه الميلاد العجيب لابنِ الله الحبيب.
لماذا ميلادُ المسيح عجيبٌ يا تُرى؟.
كثيرةٌ هي الأسباب التي تجعل منه عجيباً، وقد نحتاج صَفَحاتٍ كثيرةً لتدوينها، ولكن يمكن أن نشيرَ إلى بعضها من ناحِيَتَي الشّكل والمضمون.
من ناحية الشّكل:
1- هُوِيَّة المولود: أنبأ الله على فَمِ إشَعياء بأنّ العذراء تحبَل وتَلِدُ ابناً ... ويكونُ اسمُهُ "عجيباً"، كما هو مكتوب في سِفْرِ إشعياء 9: 6
. لماذا اسمُهُ عجيبٌ؟ لأنّه "عِمّانوئيل" الذي تفسيرُه "الله معنا". المولود هو كلمة الله الذي صار بَشَراً من أجلنا. ما أرفع وما أروع هذا الامتياز الذي مَنَحَه الله لنا أن نعرِفه بشخصِ الفادي ربَّنا يسوع المسيح.
2- تحقَّقتْ فيه النّبوءات التي أَخبرَتْ عن ميلاد الرّب يسوع قبل مئات السِّنين، حين وَعَدَ الله أنّه سيُرسِل المَسِيّا المُخلِّص مولوداً من امرأةٍ عذراء. نقرأ النّبوَّة في إشعياء 7: 14
، ونقرأ تحقيق النّبوَّة في إنجيل متّى 1: 19 - 23
.
3- ولادتُهُ مِن عذراء: لم يحدث في تاريخ البَشَريّة أن وُلِدَ إنسانٌ بهذه الطّريقة العجيبة. العذراء مريم وُجِدَتْ حُبلى بقوّة الله العليّ، فحين زارها ملاك الرّب ليُخبِرها عن هذا الحَدَث العظيم نقرأ ما قال لها في إنجيل لوقا 1: 35
.
4- ولادتُهُ في مكانٍ مُتواضِع: مَلِكُ الملوك يولَد في بيتِ لحم. في مكانٍ حقيرٍ باردٍ غير مُؤهَّلٍ لطفلٍ حديث الولادة، وغير مُجهَّزٍ بوسائلِ الرّاحة (لوقا 2: 6 - 7 ).
5- السُّجود للمولود: مولودٌ في مِذوَد يزورُه مَجوسٌ ومُلوكٌ يُقدِّمون له الهدايا الثّمينة. فهؤلاء المجوس عَلِموا هُوِيّة وعَظَمَة المولود (متّى 2: 1 - 2 و11 ).
مِن ناحية المضمون:
1-تواضُع الْجبّار العليّ: حَدَثُ ميلاد الرّبّ يسوع أذهلَ العقول على مَرِّ التّاريخ إيجاباً وسلباً، ونسجَ الكثيرون حَوله قِصصاً وروايات. منها من عبَّر كاتبوها عن فَرَحهم وسرورهم وإدراكهم واختبارهم قيمة تجسُّد الرّبّ يسوع، ومنهم من اعتبره ضَرباً من الخَيال والخُرافة و اقتباساً من عباداتٍ وثنيّة. وذلك لأنّهم رفضوا إمكانيّة ظهور الله بالْجسد، لأنّ ذلك يُقلِّل من عَظَمَته بحسب ادِّعائهم. سألتني مرّةً إنسانةٌ مُتعجِّبة: "كيف تؤمنون أنّ الله تجسّد؟ كيف يُعقَل لخالِقِ الكَون أن يكون في رَحِم امرأة ويولَد منها؟ لماذا تُقلِّلون من شأن الله؟". أجبتُها: "أنتِ وكثيرون مثلك ونحن المؤمنون بالمسيح نقف أمام مَشهد عجيبٍ واحِد، وكُلُّ واحدٍ مِنّا يراه بمِنظارٍ مُختلِفٍ مُتضارِبٍ مُتناقِض: أنتم ترفضون هذا الحَدَث كما جرى، بحُجَّة انتقاصِه من عَظَمَة الله. ونحن نرى فيه عَظَمَة الله بعينِها ... الْجبّار العليّ يتواضع ويتجسّد بَشَراً مثلَنا، ولكن من دون خطيّة. هذا الميلادُ الذي بدا مُتواضِعاً في مدينةٍ صغيرةٍ في مِذودِ بقَرٍ، هو الذي غيَّر التّاريخ الإنسانيّ من حيث علاقة الله بالإنسان. فلَو أردتِ معرفة الإجابة عن تساؤلاتكِ، تعرّفي بالمولود وهو يخبرك عن سبب اختياره تجسّده".
2-عجيبٌ بمحبّته: معروفٌ عن الله أنّه مَحبّة، وهو يُحِبُّ العالَم كُلَّه. وقد شاء أن تتجلّى محبَّته للنّاس بشكلٍ ملموسٍ ومَحسوسٍ بتجسُّدِه وعَيشِه بينهم رَبّاً، فعرَّفَ النّاس عن نفسه بكَونه الطّريق والحقّ والحياة. وكان لهم قائداً يتبعونه من قريةٍ إلى قريةٍ ومن مدينةٍ إلى مدينةٍ يقودهم إلى طريق الحقّ والبِرّ. كان لَهُم مُعلِّماً يُعلِّمهم أُصول الحياة، ومُشرِّعاً يَسُنُّ قوانين الإيمان المسيحيّ الْجديد، وطبيباً يشفي المرضى من أسقامهم وأوجاعهم مانحاً النَّظَر للعُمي والسَّمَع للصُّمّ والإبراء للبُرص ...، وفادِياً باذِلاً حياته من أجلهم. هل مِن حُبٍّ بعدُ أعظم وأشدّ عَجَباً؟.
3- عجيبٌ بموته وقيامته: لولا تجسُّد الرّبّ يسوع المسيح لَمَا انطلق قِطار الخلاص. بميلاده العجيب أعلَنَ الرّبّ يسوع بَدء رحلة الحياة الْجديدة، مُمهِّداً الطّريق لإتمام قصد الله وخُطّته لخلاصِ الإنسان. من أَجل الإنسان تجسّد لكي يكون بصليبه وآلامه وموته وقيامته، الْجِسر الذي يُلغي الهُوّة العظيمة التي نشأت بين الله والإنسان بسبب خطيّة هذا الأخير. مَن غيره كان يقدر أن يرفع عنّا عِقاب الخطيّة، ويُعتِقنا من نِير عبوديَّتها ويُحرِّرنا من قبضتها. بموته على الصّليب غَلَبَ الموت وبدَّد ظُلُمات الْجحيم، وشَرَّع باب الخلاص أمام الْجنس البشريّ لكي يناله كُلّ من يؤمن به. قال أحدُ خُدّام الله: "ولولا الميلاد، بل التّجسُّد، لَمَا كان الصَّلب ولَمَا كان الفِداء. إنّ الصّليب الفدائيّ هذا مِن مُضاعَفات الخطيئة والعِصيان، ولكنّ الله تجلّى بمحبّته لكي يُتمِّم مطالِب العدالة الإلهيّة، ولكي يُظهِر مدى اهتمامه للإنسان".
4-عجيبٌ بتأثيره وبتغييره: لقد كان لميلاد الرّبّ يسوع المسيح الأثَر الأعظم ليس على الإنسان فحسب، بل على التّاريخ بحَدِّ ذاته، فانتهى عهدٌ وابتدأ عهدٌ جديد، وأصبح الميلادُ علامةً للتّاريخ وروزنامةَ الحياة الأرضيّة. ميلادُ الرّب يسوع غيَّر الإنسان والزّمان.
وبَعد، ماذا نكتب وماذا نحكي وبِما نُجيب عن الميلاد العجيب لابن الله الحبيب؟. الذي كان وما زال وسيبقى حَدَث الميلاد الأعظم والأكثر عَجَباً، ولن يفهمه إلاّ مَن تعرَّف بالمسيح واختبرَ محبَّته وسارَ بنوره وأطاع وصاياه.
إذا أردت أن تعرف أكثر عن المسيح تواصل معنا (من هنا)