يحلم الإنسان أن تخلو حياته من المتاعب والمُشكلات، ولكن هيهات!.
والودُّ ودّه لو فرغت الحياة من الصّدامات والصّراعات، لكنّ واقعه يقول بدون أدنى شكّ إنّ الطّريق مليء بالحُفَر والمَطبّات والأوجاع والسّقطات والعَثَرات!!. فما هي العَثَرات؟ ومن أين تأتي وكيف تحدث؟ كيف تكلّم الكتاب المُقدّس عنها؟ وما هو دوري ومسؤوليّتي تجاهها؟ ما هو دور الآخرين ومسؤوليّاتهم إزاءها؟ وكيف يُمكنني أن أتغلّب على العَثَرات؟!
ما هي العثرات؟
العَثَرة هي السَّقطة أو الزّلّة التي يتعرّض لها الإنسان، بسبب عارض غير مرئي وغير مُتوقّع يُقابله أثناء مسيره في الطّريق، فتجعله يترنّح أو يسقط وقد يتعرّض للأذى تبعاً لذلك. والمعنى المقصود ينسحب معنويّاً كما هو ماديّاً أيضاً، فالعثرة تحدث جسديّاً كما تحدث أيضا فكريّاً ونفسيّاً ومعنويّاً وعاطفيّاً وروحيّاً، وذلك لأنّ للعثرة أنواع وأشكال مُتعدّدة. فضلاً عن أنّ الإنسان كائن يُؤثّر ويتأثّر جمعيّاً لأنّه كيان واحد مُتّصل. فمن المعروف علميّاً أنّ ما يُؤذي النّفس يُؤثّر حتماً على الجسد، حتّى أنّ هناك فرعاً من فروع الطّب يهتمُّ بدراسة ما يُطلقون عليه "الأمراض النّفسجِسميّة"، أي تلك التي ينعكس تَعَب النّفس فيها على الإنسان بأعراض جسميّة مثل تغيُّر الضّغط أو القولون العصبي، وخلافه ..
من أين تأتي العثرات؟ وكيف تحدث؟
تأتي العثرات لأسباب عديدة، مُعظمها يتركّز في عامل واحد هو المُشترك والأعمُّ خلف كلّ الأسباب، ألا وهو البُعد عن الله وعدم الثّقة فيه أو التّمسُّك بطُرُقه. وهذا الأمر ينعكس على كلا الطّرَفين معاً، المُعثَر وهو الشّخص الذي يتعرّض للعثرة أو السّقوط، والمُعثِر أي الشّخص الذي يتسبّب في إعثار شخص آخر سواه. فمن جهة الأوّل (المُعثَر)، فإنّه يتعرّض لذلك ربّما لأنّه يضع ثقته في أُناس ثُمّ يكتشف أنّهم لم يكونوا جديرين بهذه الثّقة. أو يُفاجَأ بموقف لا يستطيع أن يُواجهه فيسقط، لكن الأحرى به دائماً أن يتوكّل على الله. يقول الوحي المُقدّس في المزمور 118: 8 . نعم، فالله وحده هو الذي كما يقول النّبي إشعياء 40: 29 - 31 . أو ربّما هذا الشّخص المُعثَر لا يعرف الله أصلاً ويحيا حياته بمعزل عنه، فتُفاجئه الدّنيا بدوّاماتها فلا يتمكّن من الثّبات أمامها. أمّا من جهة الشّخص (المُعثِر)، فالحقيقة أنّه هو الآخر لو تمسّك بالله وكان حريصاً على اتّباع وصاياه وتعاليمه لما تسبّب أبداً في إعثار شخص آخر، لأنّه حتّى وإن أخطأ فسيكون بمقدوره الرّجوع.
كيف تكلّم الكتاب المُقدّس عن العثرات؟
حذّر الرّب يسوع في تعاليمه العظيمة، الشّخص الذي يتسبّب في إعثار شخص آخر، بكلمات وأوصاف لها قُوّتها ومدلولاتها الخطيرة. ولمعرفة ذلك تابع معي ما دوّنه لنا الوحي المُقدّس في إنجيل لوقا 17: 1 - 4 . يتّضح ممّا قاله الرّب يسوع أنّ وجود العثرات في الحياة ـ بكلّ أسف ـ أمر لا بدّ منه مادام الإنسان يحيا على الأرض، وأنّ عقاباً أو لعنة هائلة تأتي على المُتسبِّب بها، كما أنّ خطراً يحلّ أيضاً بذلك الذي تأتيه العثرة فتؤذيه. لذلك أوصى يسوع أن يتحسّب الإنسان من الخطأ وأن يُسامِح من أخطأ في حقّه، فيصفو ويستريح وتستقرّ حياته وتمتلىء بالسّلام والسّكينة. والحقيقة أنّنا لو استطعنا جميعنا أن نُتمّم ذلك الذي أوصى به يسوع، لتغيّرت حياتنا ومُجتمعاتنا تغييراً كبيراً. فيَا لَيتنا نَعي ذلك.
أعذار وتبريرات أختلقُها لنفسي تجاه العثرات:
يختلق البعض الأعذار لأخطائهم كما يُهوِّن البعض الآخَر من أخطائهم، مُعثَرين كانوا أو مُعثِرين، بحجّة أنّ كلّ البشر خطّائين. ورغم أن ّتلك حقيقة لا غُبار عليها، إلّا أنّه لا يجوز لنا أن نتذرّع بها لنُبرّر أخطاءنا أو لنتساهل معها، لأنّنا بذلك نعطي لأنفُسنا إِذْن السّماح لارتكاب هذه الأخطاء. ولنتجنّب ذلك دعونا دائماً نتذكّر خطورة التّحذير الذي قاله يسوع لمن يُعثِر أحداً. كما أنّني لو كُنت أترك نفسي لأُعثَر بسبب خطايا الآخرين أو سلوكيّاتهم الخاطئة، فلن يكون بمقدوري أبداً أن أتقدّم أو أنجح في أمور حياتي. أُناشدك صديقي القارىء أن لا تكون مُتساهلاً مع نفسك إن أخطأت، وأيضاً أن لا تَجلِد ذاتك عندما تَعثُر، لكن تصرّف بحكمة وعقلانيّة والتزام كيلا تُكرّر الخطأ. واحذَر أيضاً ألّا تكون بأيّ حال سبباً في إعثار الآخرين بسلوكيّاتك وتصرُّفاتك.
ما هو دوري ومسؤوليّتي تجاه العثرات؟
عليَّ أن أُدقّق في تصرُّفاتي وأن أُلاحظ أفعالي وردود أفعالي تجاه مواقف الحياة المُختلفة. كما عليّ أن أكون صادقاً مع نفسي ومع الله ومع الآخرين، بأن يكون سلوكي ككلامي. فالكثيرون منّا اعتادوا أن يعملوا ما يَدينون الآخرين به إن عملوه، وأن ينصحوا الآخرين بما لا يعملونه هُم، وهذا خطأ كبير. كذلك عليّ أيضاً ألّا أكون مثاليّاً وأن أعلَم أنّ الحياة ليست كلّها خيراً أو شرّاً، لكنّها خليط من الاثنين معاً، فيجب أن أكون مُستعدّاً لفعل ذلك وتجنُّب تلك. وأقول أخيراً، عليّ أن أُعين من يَعثُر في الطّريق وأسعى جاهداً لأكون جواره أُساعده وأُعينه حتّى يقوم من سقطته.
كيف يُمكنني أن أتغلّب على العثرات؟!
لأتعلّم كيف أنظُر إلى الله، والله فقط. ولأتّخذه هو وحده تعالى دون سواه الصّديق الأمين، فهو وحده الجدير بأن يكون رفيق رحلتي طوال مشوار الحياة. وهو دون سواه الذي لا يُمكن أن أَضلّ أو أَعثُر إن اتّخذته قُدوة ونموذجاً لي. وهو أيضاً القادر أن يرفعني إن أنا سقطت في المسير أو اختبرت قسوة وتخلّي النّاس عنيّ حتّى الأحبّاء.
++++
موضوعات مشابهة: