على الرّغم من أنّ معظم دول العالم تسمح للمرأة بقيادة السّيارة بمفردها، إلاّ أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة - كعادتها في تفجير القضايا المرتبطة بالحريّات وحقوق الإنسان - فجّرت في الفترة القصيرة الماضية قنبلة حقوقيّة جديدة، بعد الجدل الذي أُثير حول قيادة المرأة للسّيّارة بمفردها.
وعلى الرّغم من أنّ هناك الكثير من الرّدود التّقليديّة المطّاطة التي يمكن أن تُقال حول أمرٍ كهذا، مثل الخصوصيّة الثّقافيّة الدّينيّة للمملكة، أو طبيعة المجتمع السّعودي المحافظة، أو إنّ هذا الأمر ليس إلاّ لحماية المرأة من المخاطر التي قد تترتّب على وجودها بمفردها. إلاّ أنّ جوهر القضيّة هو الرّد على السّؤال التّالي: هل للمرأة قيمة مساوية للرَّجُل في المجتمع السّعودي؟ بكل أسف الإجابة ببساطة: لا.
مُعضِلة:
لا يمكننا تجاهُل أنّ طبيعة دور المرأة في المجتمع السّعودي والنّظرة لها ولقيمتها وعلاقتها بالرَّجُل، محكومة بشكل شبه مطلق بالنّصوص الدينية. فالقِيَم والعادات والتّقاليد التي تؤثّر في المجتمع، تفرض عليه نظرة معيّنة يرى من خلالها الأشياء. فإنْ كانت الأعراف والمعتقدات السّائدة في المجتمع تقول إنّ المرأة ناقصة عقل ودين، فكيف يمكن للمجتمع السعودي أن يعاملها على أنّها كاملة العقل والدّين من جميع الجوانب؟ وكيف يمكن للرَّجُل أن يفترض إمكانيّة أن تكون المرأة أصلاً كاملة مثله، مخالِفاً بهذا نصوصاً صريحةً؟
الأعراف والمعتقدات السّائدة في المجتمع:
- إنّ الرَّجُل له مكافآت في الجنّة بعشرات الحُور العِين، بينما تصمُت تماماً عن أيّة مكافآت للمرأة في الجنّة، فكيف يمكن للمرأة أن تشعر بأنّ قيمتها مُساوية للرَّجُل؟
- إنْ كانت الأعراف والمعتقدات السّائدة في المجتمع تقول، إنّ الأُنثى لها نصف نصيب الرَّجُل في الميراث، فكيف يمكن للمجتمع أن يساوي بينهما في الواجبات والحقوق؟
- إنْ كان العُرف والمعتقدات السّائدة في المجتمع تقول، إنّ الرَّجُل بإمكانه أن يتزوّج مثنى وثلاث ورباع بل ويزيد على هذا، ولا يُعطى هذا الحقّ للمرأة، فكيف يمكن لامرأة تحكمها هذه القاعدة الاجتماعيّة أن تنظر لهذا المجتمع على أنّه عادل ومُنصف؟
- إنْ كان العُرف والمعتقدات السّائدة في المجتمع تعتبر شهادة المرأة مساوية لشهادة نصف رَجُل في المحكمة، فكيف يمكن للمرأة أن تنظر لنفسها على أنّها مساوية لرَجُلٍ كاملٍ؟ وكيف ينظر الرَّجُل للمرأة على أنّها مساوية له إنْ كان لها نصف قيمته في الميراث وفي الشّهادة في المحاكم؟
ولهذا من المستحيل أن يتمكّن الرِّجال والنّساء من عزل أنفسهم عن مجتمع تحكمه هذه الأعراف والتّقاليد المَبنيّة على معتقدات راسخة منذ القِدَم، وهي التي تُشكِّل الأساس الذي يُبنى عليه البناء الاجتماعي، وهي البذار المزروعة في تربة المجتمع لتُثمر حياةً وسلوكاً من نفس الجنس. بمعنى أنّه إنْ كانت البذار اسمها "قيمة المرأة نصف قيمة الرَّجُل"، فالثّمر الذي ستُنتجه هو "سلوكيّات وقواعد تعكس نقص قيمة المرأة".
ماذا يعلِّمنا الكتاب المقدّس عن هذا الموضوع؟
يعلّمنا الكتاب المقدّس (كلمة الله وفكره) أنّ المرأة إنسان مساوٍ للرَّجُل، فيذكر في سِفر التّكوين 1: 27، فالرَّجُل صورة الله والمرأة أيضاً صورة الله. كما نقرأ كلمات المساواة المذهلة بين الرَّجُل والمرأة في رسالة غلاطية 3: 26 - 28، أي لكما قيمة واحدة أو متساوين فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. هذا الفكر الذي يؤكّد المساواة لا بدّ أن يجعلنا نتعامل مع المرأة على أنّها إنسان ذو قيمة عالية مثل الرَّجُل تماماً، وله الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها دون أدنى فارق، وبالتّالي فلا يكون للرَّجُل أيّة أفضليّة على المرأة.
النّتيجة:
- إن كُنّا نرغب في تغيير المجتمع، فلا بدّ أن نُغيّر أساسه الذي بُنِيَ عليه.
- وإن كُنّا نرغب في تحقيق المساواة بين الرَّجُل والمرأة، فلا بدّ أن نزرع بذار المساواة بين المرأة والرَّجُل في كلّ شيء.
فهل يحقّ للمرأة أن تقود السّيّارة؟ وهل يحقّ لها أن تقود سيّارتها بمفردها؟
نعم، بكلّ تأكيد لأنّها لا تقلّ عن الرَّجُل في القيمة، وبالتّالي فلا يجب أن تقلّ عنه في الحقوق ولا في الواجبات.