يظنّ الكثيرون خطأً بأنّ الإدمان هو الاعتياد على القيام بأمور سلبيّة، كتعاطي المُخدّرات أو الخمور
أو لعب القمار أو مُعاشرة أصدقاء السّوء، إلخ، وهذا يترك الباقي يظنّ بأنّهم بعيدون تماماً عن دائرة الإدمان! لكن الحقيقة العلميّة الثّابتة تقول بأنّنا جميعنا مُدمنون بدرجة ما، وواقعون تحت سيطرة أمر أو عادة لا يُشترط أن تكون سيّئة وهذا هو الإدمان في أبسط وأوضح صورة له. والآن بعد أن أُدرجنا أنا وأنت في قائمة المدمنين، هلمَ معاً لنعرف المزيد:
هل يعتبر الإدمان خطيئة؟
نعم، ولو كان على بعض الأمور العاديّة أو المحمودة في جوهرها، لأنّ أيّ أمر زاد عن حدّه فتحوّل إلى إدمان في حياة صاحبه، تسبّب له بمشاكل قد تختلف في شدّتها وخطورتها بحسب اختلاف نوع الإدمان ودرجته وطبيعة شخصيّة المدمن. فالإدمان على مُشاهدة التّلفزيون أو الحديث في التّليفون أو الأكل وتناول الحلويّات أو شرب المنبّهات أو النّميمة على الآخرين وذمّهم وإدانتهم، كلّ هذه تعتبر سلوكيّات إدمانية تنعكس سلبيّاً على نفسيّات وشخصيّات وأجساد أصحابها، فيدفعون ثمنها من صحّتهم ووقتهم وقدراتهم المادّيّة والجسديّة والذّهنيّة.
في حقّ من نحن نرتكب هذه الخطيئة؟
نحن نرتكبها في حقّ أنفسنا أولاً وفي حقّ من حولنا ثانياً، وبالطّبع أيّة خطيئة تسيء إلينا وإلى الآخرين تغُضب الله وتفصلنا عنه، ولأنّ لكلّ أمر نتيجة أو عاقبة، فللخطايا التي نرتكبها عواقب، وهذه العواقب ليست انتقاماً إلهيّاً موجّهاً إلينا، بل نتيجةً لِما صنعنا. الرّسول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية 6: 7
. وزرع الإدمان يُنتج مرضاً وحزناً ووحدة، ولأنّه خطيئة نقوم بها في حقّ أنفسنا ولها عواقب ونتائج، عواقب تؤذي الصّحّة والجسد ونتائج تدمِّرنا نحن وتدمِّر علاقتنا بالاخرين. لكن الله الأبّ المحبّ، يسعى دائماً لإبعادنا عن الخطيئة بهدف تجنيبنا عواقبها ونتائجها الوخيمة، مع أنّه في أحيان كثيرة تسمح إرادته الصّالحة بأن نحصد ثمار ما زرعناه ونجني ثمار ما اخترنا القيام به، وهذا ليس انتقاماً منه، بل هي النّتيجة والعاقبة التي تلي ما قمنا به. الله بسبب عدالته ونزاهته يترك الإنسان ليتحمّل مسؤوليّة اختياره للأمور، فإن كان قد اختار ما يفيده تأتي العاقبة خيراً عليه وعلى المحيطين به، وإن اختار ما يؤذيه، تأتي العاقبة شرّاً.
ولأنّ قانون الله ككلّ قانون على وجه الأرض له شروط ونتائج، كقانون الجاذبيّة الأرضيّة على سبيل المثال الذي لا يمكننا تحدّيه، حتى وإن قرّرنا فعل ذلك ورَمَينا أنفسنا من طابقٍ عالٍ، فالقانون الذي كسرناه سيكسر لنا رقبتنا.
لماذا يُدمن الإنسان؟ لماذا ندمن؟
ندمن لأنّنا خائفون، نشعر بالوحدة، مع أنّنا وسط جمهور كبير من النّاس، نشعر بأنّ لا أحد يفهمنا، لا أحد يهمّه أمرنا، متروكين تتقاذفنا الأمواج، ولماذا نشعر بهذا؟ لأنّنا بعيدون عن الله. التّديُّن وممارسة الطّقوس المختلفة لا تعني الاقتراب من الله، القيام بالفرائض سعياً لشراء رضا الله لن تقرّبنا منه، ولن تُشبِع الفراغ الذي يستنزف حياتنا. والحلّ؟ الحل هو العلاقة الحميمة معه.
كيف أصنع علاقة حميمة معه، وأنا خائف منه؟
أنا خائف منه لأنّني أخذت فكرة خاطئة عن شخصيّته، الله خالق محبّ يهتمّ بخليقته ويسهر على رعايتها، وأمّا المصائب والمشاكل والهموم المحيطة بي، والموت والمرض الذي ينهشني، فهذا ليس انتقاماً من الله بل عواقب ونتائج وحصاد لشرّ أنا زرعته، أهلي زرعوه، قبيلتي زرعته. زرعت الموت وحصدت الموت، أكلت حقوق آخرين بليت بالفقر، اغتصبت سرقت كذبت، كلّ ما فعلته عائلاتنا وما نحن نقرّر أن نفعله يأتي علينا بنتائجه وعلى أُسَرِنا وأولادنا.
حسناً لقد قرّرت أن أقترب من الله وأصنع علاقة حميمة معه، ما الطّريقة؟
الطّريقة هي أن أكون مدمناً عليه هو، أن يكون هو مركز الأمان لديّ وليس المال، أن يكون هو ضامني أمام المحاكم وليس الكذب والشّهادة الزور، أن أصدّق بأن بَرَكته ستُغنيني وستُشبع عائلتي وستؤمِّن الدّواء لأُمّي وليس السّرقة والرّشوة. أن أرمي نفسي في حضه، أن أستجير به عن الخلق وأن أجلس لأخبره وأحكي له، أن أدمن الحديث معه وليس الحشيش وأن أهدأ وأُسكِّن روحي أمامه فلا أحتاج لمخدّرات. أن أقرّر أن أكون ابناً لله بالتّبنّي، صديق صدوق، رفيق وحبيب، أتّخذه خليلاً كما فعل أبونا ابراهيم وأكون له كليماً كما كان سيّدنا موسى. يدمن الإنسان بحثاً عن ملجأ، عن مكان آمن، عن مسند ومعتمد، ولأنّه خائف من الاقتراب من الله، متردّد قلق يسعى لملئ الفراغ الذي يغمر حياته بعيداً عن الله، بالإدمان.
ما هي مخاطر الإدمان؟
بالإدمان يموت الإنسان وحيداً غريباً دون رفيق، ولأنّه في إدمانه يسعى للاعتماد على أيّ شيء دون الله، وبالتّالي يستبدل المعونة الإلهيّة بأمور أُخرى، تبدو في شكلها بديلاً أفضل لكنّها في واقعها معيناً مزيّفاً مراوغاً يستنزف من اعتمد عليه حتّى النّهاية، ينتهي الإنسان، في طريق محفوف بالمخاطر، فلو أدرك الكثير من المدمنين نهاية الطّريق التي يخطون بأقدامهم فيها، لما اختاروا فعل ذلك.
كيف يُمكنني أن أتحرّر وأتعافى من الإدمان؟
يحتاج الأمر لشيئين معاً، أولهما قوّة وقُدرة الله المحرّرة والمغيّرة والغافرة التي من خلالها يتصالح الإنسان مع خالقه ويجد طريق العودة إليه. والأمر الثّاني التّصميم وقوّة الإرادة المصحوبة بغلق كُلّ منافذ الإدمان والرّجوع عنه وقطع كلّ علاقة به مهما كلّف الأمر، مع الاستعداد لمُواجهة الأعراض الانسحابيّة مع ألمها وقسوتها، حتّى يُتمّم الله الشّفاء والتّحرير. صديقي المدمن، أيّاً كان نوع إدمانك أو تعوُّدك، يوجد أمل ورجاء، انظر للغدّ برجاء مُشرق وثقّ أنّك ستستطيع، أتمنّى لك كُلّ توفيق وشفاء.