تُعرَف الأزمة الاقتصاديّة (economic crisis) بأنَّها اضطراب مُفاجىء يطرأ على التّوازن الاقتصادي في قُطر ما أو عدّة أقطار.
لكن
الاقتصاديّون الغربيّون يستخدمون اصطلاح الدّورة (cycle) بدلاً من كلمة (crises)، لأنَّ الأزمة تدلُّ على اختلالٍ أو اضطرابٍ في حين أنَّ الدّورة (cycle) تدلُّ على انتظامٍ في التّعاقُب عادةً ما تخضع له الظّواهر الطّبيعيّة. هناك ثلاثة أنواع من الدّورات الاقتصاديّة تتراوح أعراضها ما بين الكساد الاقتصادي والرُّكود:
1. دورة قصيرة الأجَل:
وهي دورة تتراوح ما بين 10 إلى 15 عاماً، من أعراضها الرُّكود الاقتصادي.
2. دورة متوسِّطة الأجَل:
وهي تتراوح ما بين 25 إلى 30 عاماً وتُسبِّب الرُّكود أيضاً.
3. دورة طويلة الأجّل:
وهي تتراوح ما بين 60 إلى 70 عاماً وتتسبّب في حدوث الكساد الاقتصادي، حيث أنَّ الطّلَب الكُلّي غير قادر على مجابهة العرض. كالكساد العالمي الكبير الذي حدث عام 1929م والذي أصاب المؤسّسات الاقتصاديّة وأسواق المال العالميّة سواء في أوروبا أو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
تداعيات الأزمة الماليّة:
1- الازدهار الاقتصادي للسِّلع:
شّهِد العَقد الأوّل من الألفيّة الثّالثة انفجاراً عالميّاً في الأسعار وخاصّةً أسعار السِّلع والمنازل، وبالتّالي ارتفعت أسعار السِّلع الضّروريّة مرّة أُخرى بعد الرُّكود الاقتصادي للسِّلع في أواخر القرن العشرين 1980- 2000م. لكن بحُلول عام 2008م ارتفعت أسعار العديد من السِّلع وخاصّة البترول والطّعام، وكان هذا، السّبب في حدوث ضرر إقتصادي حقيقي وتضخُّم انكماشي، وفي يناير 2008م تجاوزت أسعار البترول 100 دولار/ برميل، وفي يوليو بلغت الذّروة حيث وصل سعر البرميل إلى 147.30 دولاراً، وسبَّبَ ارتفاع الأسعار انهياراً في الطّلَب وبالتّالي هبط سعر البرميل إلى 35 دولار في نهاية 2008 م.
2- أسعار المنازل ما بين 1975 و 2006م:
في منتصف 2005 كانت هناك فُقاعة صغيرة (الارتفاع الكبير في أسعار المنازل) في سوق المنازل في الولايات المتّحدة. يومها نشرت المجلّة الاقتصاديّة في أمريكا، أنَّ الارتفاع العالمي في أسعار المنازل كان أكبر فُقاعة ( تضخُّم في الأسعار) في التّاريخ، ثمّ تَبِعَ هذه الفُقاعة (الازدياد العالي في الأسعار) انهياراً حادّاً في أسعار المنازل، هذا الانهيار تسبّب به أصحاب العقارات الذين كانوا يحملون أسهماً سلبيّة (ائتمان الرَّهن أعلى من القيمة المتدفِّقة للملكيّة).
3- التّضخُّم المالي:
صرَّحت وكالة رويترز للأنباء في فبراير 2008م بأنَّ التّضخُّم المالي حدث في مستويات تاريخيّة، وأنَّ التّضخُّم المحلّي ارتفع (في 10-20 سنة الأخيرة) في العديد من الدُّوَل، نتيجةً للزّيادة المُفرِطة لضخّ النّقود في أنحاء العالم، والتّسهيلات الماليّة لتقنين الأزمة الاقتصاديّة في آسيا، والمُضارَبة في أسعار السِّلع والإخفاق الزراعي، وارتفاع تكلفة الاستيراد من الصّين وزيادة الطّلَب على الطّعام والسِّلع في الأسواق الجديدة والتي تنمو بصورة مذهلة.
وحدث أعلى تضخُّم في منتصف 2008م في الدُّوَل التي تُصدِّر البترول، وحدث أيضاً في الدُّوَل غير المُصدِّرة للبترول بسبب ارتفاع أسعار الطّعام والبترول.
وكان السّبب الرّئيسي للأزمة الماليّة في العالم، هو الإنتاج الزّائد للبضائع الذي سبّبته العولمة وخاصّةً الاستثمار الضّخم للشّركات متعدّدة الجنسيّات في بعض الدُّوَل، مثل الصّين والهند خلال 15-20 سنة الأخيرة، والتي تسبّبت في زيادة الإنتاج الصّناعي العالمي وتقليل سعر التَّكلفة، هذا الإنتاج الزّائد للسِّلع تسبّب في الانكماش.
أثار الأزمة الماليّة:
1. التّجارة:
في منتصف أكتوبر 2008م، هبط مقياس حجم السُّفن إلى 50% في أسبوع واحد، وفي فبراير 2009م نادى أحد الاقتصاديّين بأنَّ الأزمة الماليّة نتجت عنها أزمة صناعيّة، لحدوث انحدار في الإنتاج الصّناعي في الدُّوَل ذات الاقتصاد المؤسَّس على التّصدير.
2. البطالة:
تنبّأت منظّمة العُمَّال العالميّة (ILO) بأنَّ 20 مليون وظيفة سوف تُفقَد على الأقلّ في نهاية عام 2009م، ومعظمها في الإنشاءات والخدمات الماليّة وقطاع السّيّارات. وستجلب هذه الأزمة بَطالة عالميّة لأعلى من 200 مليون في المرّة الأولى، وزيادة عدد العاطلين لأكثر من 50 مليون في العالم لسنة 2009م.
3. أسواق المال:
كان شهر يناير 2008م شهراً مُتقلِّباً في احتياطي أسواق العالم الماليّة. وشَهِدَ يوم 21 الاثنين يناير 2008م نقصاً حادّاً في أسعار احتياطي سوق الولايات المتّحدة، لدرجة أنَّ بعض مُعلِّقي الصّحافة أطلقوا على هذا اليوم تسمية "الاثنين الأسود". وكان هناك العديد من مثل هذه الانهيارات في احتياطي أسواق العالم، حيث اتَّسعت خلال عام 2008 لتشمل عدّة انهيارات مُتعاقِبَة : واحد في يناير، وآخَر في أغسطس، واحد في سبتمبر، وآخَر في أوّل اكتوبر.
في أكتوبر 2008م هبط احتياطي أمريكا الشّماليّة وأوروبّا ومنطقة المحيط الهادي الآسيوي، لحوالي 30% عن بداية 2008م، وتقهقر المعدّل الصّناعي لحوالي 37% عن يناير 2008م.
أين الله من الأزمة الماليّة؟!
الله صالح, وكُلّي الصّلاح، لا يمكن أن يخرج من بين يديه شيئاً أو أمراً رديئاً. وهو ما يزال مُمسِكاً بمقاليد الأمور بيديه، لأنَّه كُلّي السُّلطان. وهو يستخدم كُلّ شيء لصالح وخَير البشريّة. فمَعَ أنَّ الأزمة الماليّة أمراً ليس بالسّهل وقاسٍ ومُؤلِم، إلّا أنَّ الله سمح بحدوثها لأسباب كثيرة نرى في مضمونها تعبيراً حقيقيّاً عن محبّته ورحمته اللّا متناهية، من هذه الأسباب رغبته في تأكيد محبّته الباذِلة المُعطِية، فالكثير من الشُّعوب الغنيّة اكتفت بذاتها ومواردها وأضحت في غيرِ حاجةٍ إلى الله خالقها، لكنَّه موجود وهو الغني والمُغني، وما الأزمات والهموم إلّا مرآة تعكس وجود الله وقلبه الدّافق بالحُبّ من نحو البشريّة.
فإن كُنّا قد اهتممنا بالعطايا دون المُعطي، وإن كان اهتمامنا بالمال والممتلكات التي وهبنا الله إيّاها قد أنسانا الله نفسه، لا بُدّ من أن يحدث معنا ما يجعلنا نتيقّظ من غَفلتِنا وننتبه إلى وجود هذا الإله الحنون والغني الصّالح، فالله يبحث ويريد أن نكون في علاقة مستمرّة معه، يفرح بنا عندما نتمتّع بكُلّ ما وَهَبنا إيّاه مُعبِّرين عن تمتُّعنا هذا بتقديم الشُّكر الوفير له على عطاياه، فهل تفعل هذا؟.
تعال معي لنُمسِك بيَدِ القدير الممدودة إلينا، لنَقبَل محدوديّتنا وعَوَزنا له ونأتي إليه ونكون في شركة معه باستمرار. ألست معي في أنَّ غنى الله وعمق مجده أعظم وأكبر بكثير من كُلّ الأزمات الاقتصاديّة التي يمكن أن تحدث للعالم؟.
موضوعات مشابهة:
- هل المال سبب فرح الإنسان؟
- الفلوس (فيديو)