نستعرض واحداً من أهمّ الموضوعات التي يعاني منها أولادنا وإخوتنا ـ شباباً كانوا أم شابّات ـ في مشرقنا العربي، وقد لا أكون مُبالِغاً إن قُلت إنّه يُسبّب ضغوطاتٍ وصراعاتٍ كثيرةٍ ومشاكلَ متنوّعةٍ
لهم، وبالتّالي لذويهم الذين يعانون معهم لأجل تعبهم ومُعاناتهم، إنّه موضوع لا يتعرّض للحاضر فقط بل هو يرتبط بالمستقبل أيضاً، ألا وهو "ماذا سيعمل الفرد بعد أن يُتمّ تعليمه ويحصل على شهادته؟".
أصل المُشكلة .... ربّما فهمنا لأصل المشكلة يساعدنا بشكل أو بآخر لنعرف أنّها ليست مشكلتنا وحدنا، بل هي مشكلة عامّة وموجودة في مُجتمعاتٍ وبُلدانٍ كثيرةٍ، وهي تَرجع لأسبابٍ مُتعدّدةٍ مثل كثرة أعداد الخرّيجين واضطراب سوق العمل وعدم توزيع السّكّان بتناسب، وعدم التّخطيط لتخريج نوعيّات من المؤهّلات التي يحتاجها فعلاً سوق العمل. ممّا يؤدّي لانتشار البطالة وربّما لانتشار الفساد والمحسوبيّة، و...... إلخ، وهي أسباب تجعل المشكلة ليست مشكلة خاصّة وفرديّة، بل مشكلة شائعة بأماكن كثيرة من العالم مع اختلاف الثّقافات والجنسيّات والمُجتمعات.
كيف تنعكس هذه المشكلة على الشباب؟
تقود هذه المشكلة الكثير من الشباب لردودِ أفعالٍ متعددّة، تتفاوت من مجتمع لآخر ومن شخص لآخر. لكنّها في الكثير من الأحيان تؤدّي إلى أمورٍ هي في مُجملها سلبيّة مثل النظرة السوداويّة والمُتشائمة تجاه المستقبل، وربّما الكثير من مشاعر اليأس والعجز والإحباط والفشل بسبب عدم الإنجاز، أو مشاعر الحزن والنقص والقنوط بسبب فقدان المعنى والقيمة. إنّ ردود الأفعال هذه ممكن أن تكون بممارسة العادات السلبيّة والمُحطِّمة للنَّفس، مثل إدمان عقاقير الكَيف والمخدّرات أو إدمان الكحول للإعتقاد أنها تساعد في تنفيسِ الإحتقان الذي يعانون منه. هذا كلَّه يقود إمّا لفُقدان الإتّجاه والهدف الصحيحَين ولضَياع المعنى الحقيقي للحياة والوجود، أو للكسل والتّراخي واللامبالاة وفقدان الإنتماء والعزوف عن الحياة نفسها. كلّ هذه الأمور ـ كما هو ظاهر بوضوح ـ إنّما هي بمثابةِ مِعوَلُ هدمٍ وتحطيمٍ للأفرادِ والمُجتمعاتِ على حدٍّ سواء ......
والآن، هل من أملٍ أو رجاء؟!
بالطّبع نعم، فنحن يمكننا أن نرى لهذه المشكلة أبعاداً أُخرى يمكنها أن تلعب دوراً إيجابيّاً ومُؤثّراً وفعّالاً في مواجهتها .... وأقترح بعض الأفكار العمليّة التي يمكن للإنسان أن يجدَ فيها تشجيعاً ويمتلكَ رؤيّةً أفضل تجاه الغدّ، ببصيرةٍ أكثرَ وضوحاً ونُضجاً وإشراقاً نحو مستقبلٍ أفضلَ وأروع. وهذه هي بعض الاقتراحات العمليّة التي أودُّ أن أُقدّمها:
- غيّر اتّجاهك الذّهني أوّلاً:
من اللّازم والضّروري جدّاً لفائدتك ألّا تنظر للحياة من منظورٍ سلبي أو تشاؤمي، فإن كان هذا وضعك فأنا أدعوك لتُغيّر اتجاهك الذّهني للإتّجاه المُعاكِس تماماً. كن واثقاً أنّ الله يحبّك. لذا اطمئنّ ودَعْهُ يقود حياتك وأعطِهِ الفرصة كي يساعدك، كذلك ثِق في إمكاناتك وقدراتك واكتسِب بهذه الثّقة قوّةً مُحرِّكةً تعطيك دفعة للأمام. إطرح عنك مشاعر الدّونيّة والنّقص وانفُض عنك غبار الكَسَل والتّراخي، واكتسِب الدّافع والرّغبة في العمل. إعلَم تماماً أنّ اتّجاه الذّهن السّلبي يقضي علينا وعلى فرصتنا في التقدُّم، والعكس أيضاً صحيح، فتَبَنّي الإتجاه الإيجابي يفتح أمامنا أبواباً وفُرَصاً للعمل.
- كُن قابلاً للتّعلّم واسعَ دوماً لاكتساب مهاراتٍ جديدةٍ:
لا تكتفي أبداً بما تعلَّمتَه من خبراتٍ أو حصلت عليه من شهاداتٍ ومؤهّلاتٍ، إنّما إسعَ دوماً وراء التّعلُّم واكتساب خبراتٍ وقُدُراتٍ جديدةٍ تؤهّلك لدخول سُوق العمل. كن عالِماً أنّ ما ندرسه لن يفيدنا بشيء على مستوى سوق العمل، إن لم نُكمّله ونُثقِّله بخبرة عمليةٍ وتدريبٍ مستمرٍّ وتنميةٍ فعّالةٍ للمهارات.
- إقرأ باستمرار واطّلع وثقّف نفسك دوماً، لأنّ قطار المعرفة لا ولن يتوقّف أبداً:
دعني أسألك: هل أنت مُثقَّف؟ أم تدّعي أنّك كذلك؟ متى كانت آخر مرّة قرأتَ فيها كتاباً أو أضَفتَ لنفسك خبرة معرفيّة من أيِّ مصدرٍ كان؟. إنّ القراءة والاطّلاع إنّما يمثّلان أنواعاً أُخرى من أنواع المعرفة المُهمّة لنا جدّاً، إن أردنا أن نجدَ لأنفسنا مكاناً ومكانةً ودوراً في سوق العمل. فأيُّ فرعٍ من فروع العلم أو المعرفة إنّما هو يُطوِّر نفسه كلّ يوم، بل ربّما أقول كلّ لحظة من أجل الوصول لخدمةٍ أفضل وأكثر نفعاً للفرد وللمجتمع. فالحياة عمليّة ديناميكيّة (متحرّكة) وليست استاتيكيّة (ساكنة)، وقطار المعرفة لن يتوقّف أبداً. لذا فإنّه يكون لِزاماً علينا أن نسعى دوماً لتثقيف أنفسنا وللإستزادة من بحر العلم والمعرفة، كما نسعى لاكتساب مهاراتٍ وخبراتٍ جديدةٍ من مصادر المعرفة المُتعدّدة والمُتنوّعة المُحيطة بنا من كلّ جهة، وإلّا سنتخلّف عن الرّكب السّائر، ومن ثمّ ستصعُب الحياة أمامنا وستُغلَق الأبواب في وجوهنا، ووقتها لن يكون علينا أن نُوجِّه اللَّوم إلّا لأنفسنا!.
- إحلم كثيراً، لكن إقبل المُتاح، مهما كان مُتواضعاً، والصّغير اليوم يصبح غداً كبيراً:
يرفض الكثير من الشّباب في هذه الأيّام وظائف وفرص عمل مُتعدّدة تُعرض عليهم، وذلك ربما لأنّها لا توافق طموحاتهم وتطلُّعاتهم المستقبليّة، أو ربّما يعتقدون أنّ إمكاناتهم أعلى منها. لكنّني أقول: إنّ قبول فرصة عمل مُتاحة اليوم (حتّى لو لم تكن مُناسبة لنا تماماً)، لَهُوَ أفضل كثيراً من البطالة وانتظار الفرصة التي تُرضي تطلُّعاتنا ورغباتنا، التي ربّما لا تأتي مُطلقاً، أو قد تأتي بعد زمن طويل!!.وهنا يجدر بي القول أيضاً إنّ اكتساب الخبرة والمهارة في العمل يكونان بممارسة العمل نفسه. وهذا معناه أنّ هذه المهارة تظلُّ مُعطَّلة عند الفرد إن هو لم يقم بعمل ما، أيّاً كان نوع العمل هذا، وأقول أيضاً إنّ البداية المُبكِّرة للعمل، إنّما هي بحدِّ ذاتها تُنضج شخصيّةَ وكفاءةَ الموظّف. وأنّه من الطّبيعي أن يتدرَّج الإنسان في السُّلّم الوظيفي والخبرات والقدرات مع سنيّ ممارسته للعمل، ثمّ ينتقل منه لأكبر وأفضل وهكذا، وهذه هي ـ كما يقولون ـ سُنّة الحياة، فمن الأفضل أن تبدأ مُبكِّراً لتترقّى سريعاً، وليس من العَيب مُطلقاً (بل أراه أمراً طبيعيّاً ومنطقيّاً جدّاً) أن يبدأ الإنسان بعملٍ صغيرٍ ثم يتقدّم مع الأيّام. ألست معي عزيزي القارىء أنّ هذا أفضل كثيراً من الجلوس ـ لسنوات ـ بلا عمل، ثمّ البدء مُتأخّراً أو رفض المزيد من الأعمال لأنّ الإنسان يكون قد اعتاد الكسل والخمول، كما يعمل الكثير من الشّباب في هذه الأيّام؟!. أخيراً أقول بتعبيرٍ بسيطٍ ودارجٍ: " إقبل اليوم أن تكون صبيّاً، حتّى يُمكّنك ذلك غداً أو يوماً ما أن تكون أُسطى!".
- إعمل لنفسك "سيرة ذاتيّة" (CV) مناسبة:
حتّى تكون جاهزاً ولائقاً للتّقدُّم لطلب وظيفة، أنت تحتاج أن تُعدّ ما دَرَجْنا على تسميته CV أو "السّيرة الذّاتيّة"، وهي تلك الأوراق التي تحتوي على بياناتك الشّخصيّة ومؤهّلاتك وخبراتك وهواياتك، مع أسماء بعض الأشخاص الذين يعرفونك جيّداً، حتّى تستطيع الجهة التي تتقدّم إليها بطلبِ التّوظيف أن تستعلمَ عنكَ أكثر من خلالهم، ضماناً لنزاهتك وتأكيداً لدقّة المعلومات التي قدّمتها لهم، أو لاستكمال بعض البيانات النّاقصة التي فاتك تقديمها. وتُعتَبَر هذه السّيرة الذّاتيّة ذات أهمّية كبرى ولها شأن عظيم عند التّقديم، لأنّها تكون بمثابة بطاقة التّعريف الأولى بك لتلك الجهة التي تودّ الإنضمام لفريق العمل فيها، لذلك فإنّه يكون لزاماً عليك أن تهتمّ بإعدادها جيّداً وأن تتحرّى الدّقّة الهائلة عند إعدادها، لأنّها لو لم تكن دقيقة جدّاً، فقد يكلّفك الأمر فقدانك لفرصة عمل أنت في أمسّ الحاجة إليها. ويجدر بي هنا أن أقول أيضاً إنّه يُفضَّل التّدريب المُتخصّص على كتابتها، كما يمكن أيضاً الإستعانة بصديق أو جهة ما من ذوي الخبرة في كتابتها، لأنّ لأمرٍ كهذا أهمّيّة فائقة كما سبق وقلنا.
- تابع باستمرار نشرات فُرص العمل وإعلانات الوظائف الخالية بالصّحف والمجلّات، وافتح لك دوائر معلومات وأخبار بخصوص ذلك:
فالحياة كما قُلنا سابقاً، لا مكان فيها للمُتكاسلين أو المُتراخين، فإن أنت كنت سلبيّاً وانتظرت فرصة العمل أن تأتي هي إليك، فإنّك بذلك تكون على الأرجح مخدوعاً وواهماً، وقد لا تأتيك هذه الفرصة أبداً! إنّما يكون لزاماً عليك أن تسعى وتجتهد وتعمل بجدّ ومُثابرة عن طريق دائرة معارفك وأقربائك وأصدقائك وكلّ المُحيطين بك، وكلّما كانت الدّائرة أوسع، كلّما كانت فرصتك في الحصول على وظيفة أكبر وأسرع. كما يجدر بك أيضاً متابعة الصّحف والمجلّات وأبواب التّوظيف في النّشرات المُختلفة التي يمكنها أن تمدّك بأبواب مُتاحة للحصول على الوظيفة المنشودة. نعم، فعليك أن تسعى، والله سيجازيك خيراً تجاه سَعيك واجتهادك.
- تقدّم واقتحم الفرص المُتاحة بجرأة وثقة بالنّفس وبجسارة وشجاعة:
أخيراً أقول، عندما تأتيك فرصة تشعر وتقتنع أنّها تتناسب مع مؤهّلاتك وقدراتك، تقدّم لها بكلّ هدوء وثبات، مُتّكلاً على ثقتك بإلهك الصّالح الذي يهتمّ بك وبأحوالك كما يهتمُّ بكلّ خلائقه بكلّ حكمة ومهارة وعناية. تقدّم بثقة ويقين أنّك تعمل ما عليك والله لن يتركك، وإن لم تُكلَّل جهودك بالنّجاح لمرّة أو لمرّات، لا تنزعج ولا تفشل، ولا تعتبر أنّ الأمر يعني قصوراً ما عندك، بل إعلم أنّ الخير لا بدّ سيأتي من يد الله بالطّريقة المناسبة وفي الوقت المُعيّن، فلا تفشل، بل أَعِد المحاولة من جديد. كلُّنا عَمِلنا هكذا سابقاً، حالتك ليست فريدة النّوع ومن المؤكّد أنّ مجهوداتك ومساعيك ستُكلَّل أخيراً بالنّجاح. والله يوفّقك. أختي العزيزة، أخي العزيز،هيّا قم إنهض من فشلك ويأسك وتخاذلك، واتّخذ لك طريقاً مُغايِراً، هيّا قم إكتسب مهارات وخبرات جديدة، هيّا إنطلق فالحياة والمستقبل أمامك مُشرقَين. إن كان مقالي هذا أثار شجوناً داخلك، أو إن كنت تودّ أن تشاركني بخبرة شخصيّة لديك ـ سلبيّة كانت أم إيجابيّةـ فتكرَّم بالكتابة إليّ وسأكون سعيداً أن أشاركك الرّأي والمشورة، والله معك.