search
burger-bars
Share

لا بأس في أن أحلم بأن يتغيّر النّظام في بلدي من سلطوي قاسٍ متجبّر ظالم إلى نظام ديموقراطي عادل حرّ. لا بأس في أن أفكّر أن أعود إلى بلدي يوماً دون أن أرى صورة الحاكم في كلّ مكان.

 فبعد ما حصل في تونس ومصر، وما يحصل الآن في ليبيا واليمن والجزائر والبحرين والعراق والأردن والمغرب، يبدو الأمر وكأنّه أقرب من مجرد حلّم أو فكرة. فتغيير الأنظمة وسقوط الحكّام أصبح في متناول الشّعوب.
عشت 25 سنة من عمري في بلدي لا أعرف غير رئيس واحد، ونظام واحد، وشكل واحد من أشكال الحكم، ولا أكذب عندما أقول بأنّه لم يكن لديّ مشكلة مع النّظام أو الحاكم في تلك الفترة. لكن المشكلة بدأت عندما عشت خارج بلدي، وتعرّفت إلى نظام تعدّدي ديمقراطي، يحترم حريّة الفرد في اختيار معتقده السّياسي والدّيني والاجتماعي والفكري. فالفرد خارج بلدي لا يخاف السّلطات، ولا يخشى المخابرات. بل ينظر إليها على أنّها ضرورة لضمان حريّته، وسلطة كي تحافظ على حقوقه المنصوص عليها في القوانين والدّساتير. فمنذ ذلك الوقت وأنا أحلم وأفكّر، لماذا في بلدي لا يوجد رؤساء سابقين؟ لماذا لا يوجد تعدّديّة حزبيّة أو فكريّة؟ عندها أدركت عمق المشكلة التي كنت أعاني منها دون أن أعرف أنّها مشكلة عندما كنت في بلدي.
بدأ التّحوّل في طريقة تفكيري بعد أن اختبرت الدّيموقراطيّة وحريّة الفكر والقول. وصرت أحلم وأفكّر في أن يطال التّغيير بلدي، وأن أنعم أنا وولدي بالحريّة والدّيموقراطيّة. لكن بعد الأحداث الأخيرة في الدّول العربيّة الشّقيقة التي استطاعت أن تصنع التّغيير سلميّاً إلى حدّ ما، بدأت أفكار جديدة تجتاح عقلي. فسقوط الرّؤساء جزء من التّغيير، لكن ماذا عن فكرة إذلال الرّئيس وعائلته وأقربائه وتحقيرهم؟ هل هذه الفكرة جزء من التّغيير؟ هل يحقّ لي بأن أفرح عندما أرى الرّئيس بثياب السّجن وفي قفص الاتّهام؟ هل مشاعر التّشفّي والحقد والكراهية جزء من التّغيير؟
هنا يجب أن أُجري مراجعة ذاتيّة لمشاعري. فأن أقف إلى جانب الحقّ، لا أعتقد أنّ هذا يختلف عليه شخصين. لكن أن يكون توجّهي كمؤمن بالمسيح إلى حبّ الإنتقام والكراهية، هذا ما لا يوافق عليه سيّدي المسيح ولا يليق بي كدارس للكتاب المقدّس. لكن أين الحدود بين هذا وذاك؟ الحدود هي رفع الظّلم عن شعبي وبلدي، هي عندما تتحقّق العدالة بالقصاص من كلّ من كسر قانوناً أو استفاد منه لمصالحه الشّخصيّة. الحدود هي في العمل معاً نحو المستقبل وطيّ صفحة الماضي بكلّ ما فيها من جراح وألم. أعرف أنّ طيّ صفحة الماضي ليس بالأمر السّهل، لكن كلمات الرّبّ يسوع المسيح تقف في المرصاد لكلّ مشاعر الإذلال والتّشفّي والكراهية والحقد التي قد أشعر بها. فهو من قال: "إن لم تغفروا للنّاس زلّاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلّاتكم" (إنجيل متّى 6: 15). فكيف أتوقّع أن يغفر لي الله، وأنا لا أستطيع أن أغفر لأخي الإنسان. وهل خطاياي التي فعلتها تجاه الله القدّوس الطّاهر هي أقلّ وأصغر من تلك التي فعلها بي رئيس بلدي؟ بالطّبع لا. هذه هي الحدود التي يجب أن أعبر منها إلى التّغيير الحقيقي، فالتّغيير الدّستوري قادم، والتّغيير السّياسي قادم، لكن مشاعر الغضب والكراهية التي في قلبي لا يمكن أن تغيّرها مظاهرات أو شعارات، بل يجب أن أصمّم في قلبي كي أغفر لهم جميعاً، كي أستطيع أن أعيش حياتي بمصالحة مع الله ومع نفسي ومع المجتمع الجديد الذي يتشكّل حولي. 

 

مدوّنات - blogs