منذ بضعة أيّام كنت في أحد المطارات الأوروبيّة أنتظر طائرتي في صالة الرّكّاب، لكي أعود إلى عائلتي التي افتقدتها كثيراً.
المنطقة المزدحمة:
جلست في منطقة غير مزدحمة كعادتي لأنّني أحبّ الهدوء، لكن سرعان ما جاء أكثر من 10 شباب وفتيات (أعمارهم من 18 إلى 20 سنة فقط)، وضعوا أمتعتهم على الأرض وعلى المقاعد وجلسوا وصار المكان مزدحماً، وقلت في نفسي: "أوف مش رح أرتاح هالسّاعة الباقية".
كنت على خطأ:
لكنّني كنت على خطأ كبير جدّاً. فما توقّعته من هؤلاء الشّباب كان الضّوضاء والشّغَب والضّحك والصّراخ أو على الأقلّ الكلام بصوت مرتفع. لكن ما حدث أنّ كلّ واحد منهم أخرج هاتفه النّقّال، وبالطّبع جميعهم لديهم هواتف ذكيّة. وبدأ كلّ واحد بالاتّصال بعالمه الخارجي. الجميع دون استنثاء كان مشغولاً بهاتفه لمدّة 50 دقيقة التي بقيتها في تلك المنطقة قبل أن أتوجّه إلى الطّائرة. لا أعرف ماذا كانوا يعملون على هواتفهم، لكنّني أستطيع أن أتوقّع أنّ بعضهم كان يستمع إلى موسيقى، لأنّه كان يحرك جسده كأنّه يرقص. وآخر كان بجانبي قضى أغلب الوقت على الفايسبوك.
فقدان التّواصل:
استغربت كثيراً من هذا الأمر، فإن كانوا مسافرين مع بعضهم في رحلة ربّما دراسيّة أو ترفيهيّة أو لأيّ سبب، فلماذا لا يستمتعون بالوقت الذي يقضونه مع بعضهم؟ بدأت أتخيّل أنّ هؤلاء الشّباب والفتيات عائدون من رحلة ترفيهيّة لفترة أسبوع ربّما، وقد قضوا أسبوعهم يستمتعون بوسائط التّواصل الاجتماعي (الفايسبوك، التّويتر، اليوتيوب، جوجل + السّكايبي ... إلخ). لكنّهم فقدوا التّواصل الاجتماعي الحقيقي بين بعضهم البعض.
ضحكت كثيراً:
وكي أثبت لك عزيزي القارئ وجهة نظري عن صحّة تخيّلاتي، كسر أحد الشباب الجمود والانشغال بالهواتف الذّكيّة ووقف، وبدأ يسأل عن طريق الإشارة فقط أصدقاءه إن كانوا يريدون أن يشربوا شيئاً، واضعاً إصبع يده أمام فمه محرّكاً رأسه تعبيراً عن سؤال: "هل تريد أن تشرب شيئاً؟"، فكان الجواب من كلّ واحد بالإشارة أيضاً بهزّ الرّأس إلى الأعلى علامة على النّفي. وبعضهم اكتفى برفع حاجبيه أنّه لا يريد شيئاً الآن لأنّه منشغل جدّاً بهاتفه الذّكي. هذا المشهد أضحكني جدّاً وجعلني أتأكّد من أنّهم قضوا الوقت كلّه على هذا الشّكل.
ربّما تقول لي إنّ هذا حال المجتمعات الغربيّة، لكن صدّقني فمجتمعاتنا العربيّة ليست أحسن بكثير. فالمجتمع الافتراضي (عبر الشّبكة العنكبوتيّة) أصبح يأخذ مكان التّواصل الاجتماعي الحقيقي. فهل أنت مع أَم ضدّ ذلك؟؟
أتمنّى أن أسمع رأيك ... وشكراً